احتفى الأتراك مساء الأحد 28 من أيار/مايو 2023 الرئيس التركي “رجب طيّب أردوغان” بولاية رئاسية جديدة حتى عام 2028 بنسبة تجاوزت 52% من إجمالي أصوات الناخبين بعد خوض جولة ثانية في الانتخابات لأول مرة في تاريخ البلاد.
الوجه الاقتصادي لتركيا بعد فوز أردوغان:
حقق أردوغان فوزاً مستحقاً ضمن له الاستمرار في قيادة تركيا لخمس سنوات أخرى، وقد جدد الشعب التركي ثقته به بعد مسيرة بناء وتطوير للبلاد ومقارعة الكبار على الساحة الدولية تجارياً وصناعياً وعلمياً وتكنولوجياً.
تمكن أردوغان مرة أخرى من هزيمة خصومه وإثبات جماهيريته الكبيرة في تركيا بفارق يزيد عن مليوني صوت أمام منافسه مرشح المعارضة “كمال كليجدار أوغلو” من أجل المضي بسياساته الداخلية الهادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار في بلاده من جهة وتعزيز قطاعاتها الاقتصادية والاستثمارية وتنميتها من جهةٍ أخرى.
بحسب خبراء سياسيين واقتصاديين فإن تركيا بعد فوز أردوغان ستتجه نحو مزيد من الازدهار والتطوير على جميع الجبهات بما فيها الصناعية والتجارية والتكنولوجية وتعزيز مكانتها الرائدة بين دول العالم.
يواصل أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 العمل على تحويل تركيا من دولة نامية مديونة مثقلة بالمشكلات الداخلية والخارجية والعجز في الموازنة والاقتصاد المنهارة إلى دولة مؤثرة في مجموعة العشرين الاقتصادية الدولية لأقوى اقتصادات العالم بفضل ارتفاع الناتج القومي وحصة الفرد من الدخل وتطور صناعتها وصادراتها التي تخطت 250 مليار دولار سنوياً في طريقها نحو 300 مليار دولار هذا العام.
نصر أردوغان في الانتخابات جاء مزدوجاً إذ نال مقعد الرئاسة التركية والأغلبية البرلمانية لتحالف الجمهور (حزب العدالة والتنمية – حزب الحركة القومية – حزب الرفاه من جديد – حزب الاتحاد الكبير).
وتمكن بذلك من إدارة البلد وفقاً لرؤيته ومشاريعه الاستراتيجية الهادفة بالتعاون والتشاور مع قيادة الحزب والحلفاء القدامى والجدد على رأسهم زعيم حزب الحركة القومية “دولت بهتشلي” للمضي بتركيا نحو مرتبة أعلى بين دول العالم واستمرارها كدولة مؤثرة في العلاقات الدولية والدبلوماسية تؤدي دور الوساطة في النزاعات وتسهم في السلام الدولي.
مستقبل المشاريع الحكومية في تركيا:
تتجه أنظار المستثمرين ورجال الأعمال في تركيا إلى مستقبل المشاريع الحيوية والإنمائية التي أعلنت عنها الحكومة التركية في وقتٍ سابق لكونها المحرك الأساسي لعجلة الاستثمار في البلاد.
لا سيما بعد تعهد المعارضة التركية ضمن حملتها الانتخابية في حال وصولها إلى سدة الحكم بإيقاف كثير من مشاريع الحكومة السابقة خاصةً مشروع قناة إسطنبول المائية مبررين ذلك بأنه “يشكل خطراً على المدينة”.
أما بعد فوز أردوغان وحكومته ووعوده الانتخابية فإن المشاريع ستمضي بوتيرة أسرع من السابق.
ستشهد السنوات القليلة المقبلة افتتاح مزيد من المشاريع الحكومية التي تعمل عليها الدولة منذ سنوات وذلك ضمن رؤية تركيا 2023 في إطار ما يُعرف بـ”قرن تركيا” لأن هذا العام تُصادف المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية.
بعد افتتاح المراحل الأولى لمطار إسطنبول الدولي كأحد أكبر مطارات العالم ومدينة باشاك شهير الطبية ستتواصل أعمال البناء لحين اكتمال جميع المراحل المتبقية، وستستمر أيضاً أعمال شق وحفر قناة إسطنبول المائية لتصل بين بحيرة كوتشوك تشكمجة والبحر الأسود مشكلةً بوسفوراً ثانياً بهدف تخفيف الضغط على مضيق البوسفور، فبحسب التصريحات الرسمية من المتوقع أن تكون قناة إسطنبول المائية جاهزة في عام 2027.
وكان أردوغان قد أعلن خلال حملته الانتخابية الأخيرة عن مشروع جديد يحمل اسم “نفق إسطنبول الكبير” وهو ثالث أنفاق مضيق البوسفور وسيصل بين قارتي المدينة عبر ربط 11 خط سكة حديدية.
إلى جانب عدة مشاريع إنمائية وحكومية أعلن عنها وأخرى لم يُعلن عنها بعد.
تركيا مركز إقليمي لتوزيع الغاز الطبيعي:
اتفق الزعيمان التركي “رجب طيّب أردوغان” والروسي “فلاديمير بوتين” نهاية العام الماضي على تحويل تركيا إلى أكبر مركز إقليمي لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وذلك على هامش مؤتمر “التفاعل وبناء الثقة في آسيا” الذي احتضنه العاصمة الكازخية أستانا قبل عدة أشهر.
ليعطي بعدها الرئيس التركي تعليماته لوزير الطاقة التركي “فاتح دونماز” ورئيس شركة غاز بروم “أليكس ميلر” بالتواصل مع نظرائهم في روسيا من أجل السير قدماً في المشروع المشترك بين البلدين، وقد أكد أردوغان على أن تركيا ستتخذ كافة الخطوات الضرورية على الصعيد الأمني بهدف توزيع الغاز الطبيعي الروسي ضمن تركيا وأوروبا.
مد الغاز الطبيعي المكتشف من الحقول النفطية إلى المدن:
كانت تركيا قد بدأت أواخر شهر نيسان/أبريل الماضي في إيصال الغاز الطبيعي المكتشف الحقول النفطية التي يكفي تركيا لعشرات السنوات إلى المنازل، كما أنها منحت المواطنين شهراً كاملاً من الغاز المجاني، وسيتواصل إيصال الغاز إلى جميع المدن التركية بما فيها من مساكن ومنشآت تجارية وصناعية في إطار السعي نحو
الذاتي في هذا المجال وتخفيف الاعتماد على الخارج في استيراد الغاز والمشتقات النفطية الأخرى.
هل ستتواصل أعمال مشروع قناة إسطنبول المائية؟
تسعى تركيا عبر مشروع قناة إسطنبول المائية إلى تخفيف الضغط عن مضيق البوسفور، إذ بلغ عدد السفن التجارية التي عبرته في عام 2019 عند41 ألفاً و112 سفينة 30% منها حمولة خطرة، وأغلب السفن ذات حمولات ثقيلة ما زاد من وزن الحمولة التي تمر من المضيق في السنوات الأخيرة، إذ يبلغ أضيق عرض للبوسفور 700 متر وهُناك حركة يومية لحوالي 2000 رحلة بين ضفتي المضيق في حركة نقل محلية عدا عن وجود تيارات مائية سطحية وجوفية ترفع مخاطر الاصطدام.
ستقدم قناة إسطنبول المائية كثيراً من الفوائد خاصةً حماية البيئة لكونها ستقلل من نسبة التلوث الناجمة عن مرور عدد كبير من السفن عبر إسطنبول.
قناة إسطنبول المائية مقاومة للزلازل وستؤمن مشاريع كثيرة للتحول العمراني وستجني مصادر مالية مُهمة وستؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة.
تشكل القناة أحد أبرز المشاريع الحيوية العملاقة في تركيا التي من شأنها أن تواكب “رؤية تركيا 2023” التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية الحاكم كخطة متوسطة المدى تهدف تركيا من خلالها إلى التواجد بين أقوى 10 اقتصادات في العالم.
يرى خبراء الاقتصاد أن إصرار الرئيس التركي على مشروع القناة يأتي من اعتقاده بضرورة التخلص من الهيمنة على بلاده وخططه، والدليل هو العمل بجد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية، وسوف تتحكم تركيا بقناة إسطنبول تحكماً كاملاً اقتصادياً وسياسياً على عكس مضيق البوسفور.
آثار فوز أردوغان على أعمال المستثمرين الأجانب في تركيا:
خلال الحملة الانتخابية الأخيرة تعرض المستثمرون الأجانب لتهديدات كبيرة بإيقاف استثماراتهم في تركيا في حال فوز المعارضة في الانتخابات، إلا أن فوز أردوغان أزال جميع المخاوف التي عاشها المستثمرون في الأسابيع الأخيرة خاصة أن الرئيس التركي أعلن أكثر من مرة بصراحة ووضوح عن دعمه للمستثمرين الأجانب ووقوفه شخصياً في وجه من يضع العراقيل والعقبات في طريق الاستثمارات الأجنبية.
فوز أردوغان اليوم يعني استمرار الدعم الواسع من الحكومة التركية متمثلاً بمكتب الاستثمار في الجمهورية التركية للمستثمرين الأجانب وتواصل التسهيلات المقدمة لهم خاصة منحهم الجنسية التركية بطرق مختلفة منها الاستثمار العقاري.