حينما تسير في شوارع مدينة إسطنبول وأحيائها لابد أن تلفت نظرك تلك اللوحات الإعلانية للمحلات التجارية والمطاعم المكتوبة باللغة العربية لتحمل أسماءً لعدة مُدن فلسطينية كاشفة عن جنسية أصحاب تلك المحلات اللذين يفخرون بأسماء مدنهم وقراهم فيطلقونها على مشاريع في تركيا.
كما أن الأغاني والأهازيج الفلسطينية تلامس مسامعك في قلب إسطنبول حينما تقترب من المنشآت سواءً كانت مطاعم أو مقاهي أو محال تجارية أخرى من ألبسة واكسسوار وألعاب، وبدورهم يطلون أصحاب وعمال تلك المحلات بلغتهم العربية ولهجتهم الفلسطينية مرحبين بك وداعينك للدخول لتعرف على منتجاتهم عن قرب، ليشعر المواطن العربي بشكلٍ عام والفلسطيني بشكلٍ خاص كأنه في بلاده وبين أهله ومحبيه.
تنتشر المحال الفلسطينية في مختلف الأماكن بمدينة إسطنبول إلى جانب المُدن والولايات الأخرى بسبب القوانين والتسهيلات الحكومية التي ساهمت في جذب أصحاب الجنسيات الفلسطينية، كان آخرها السماح لحملة الوثائق الفلسطينية الصادرة من (مصر ولبنان) تملك العقارات في تركيا وبالتالي حصولهم على الجنسية التركية في حال أقدموا على شراء عقار بقيمة لا تقل عن 250 ألف دولار، هذا ويصل عدد المواطنين الفلسطينيين المقيمين في إسطنبول لوحدها إلى 19 ألف شخص وفقاً للإحصائيات الرسمية عن مديرية الجوازات والهجرة التركية.
وكالة “قدس برس” الإعلامية التقت بعضاً من الفلسطينيين المُقيمين في إسطنبول للتعرف على مدى اندماجهم بالبيئة التركية وتأثرهم بالعيش ضمن ثقافة ولغة وعادات جديدة، فتقول “أم أحمد خليل” المرأة الفلسطينية التي تقيم بتركيا منذ خمسة أعوام أنها تحافظ على تقاليدها وعاداتها التي أتت بها من تراث بلادها فلسطين رغم تعدد الصداقات العربية.
وتضيف “أم أحمد” أنها تحاول كثيراً الاندماج في المجتمع التركي لكنها تجد العديد من الصعوبات أبرزها اللغة وصعوبة التعاطي مع القوانين الحكومية فيما يخص وضع العربي وتجديد إقامته بين الفينة والأخرى، وتابعت القول: “لم تعجبني هنا كثرة القوانين والثقافة التركية بقوانينها منفتحة على أوروبا والغرب، ولابد للعربي أن يعي جيداً هذا الأمر”.
واستطردت أنه وبالرغم من تلك المعوقات إلا أن بعضاً من جمال هذا البلد الساحر يهون عليها غربتها عن مدينتها الأصلية “القدس المُحتلة” التي نشأت بها ثم أتت مع زوجها وأسرتها للاستقرار في تركيا وأبنائها اليوم يستكملون دراستهم في الجامعات التركية.
وأردفت هذه السيدة الفلسطينية أن جمال الطبيعة وسهولة المواصلات بالإضافة إلى توفير جميع احتياجات الأسرة واستيعاب جميع الجنسيات العربية والأجنبية جعلتها تُحب هذا البلد وأهله، وترى “أم أحمد بأن التواجد الكبير للعرب في تركيا لاسيما في السنوات العشر الأخيرة صعّب عليها الاندماج بقوة في المجتمع التركي، حيث من السهل جداً أن يتعايش العربي مع الأتراك إذ أتقن لغتهم بشكلٍ صحيح، ولكنها في الوقت نفسه تفضل كثيراً الذهاب للمطاعم التركية المتميزة بنظافتها وأساليب تقديمها وتشابه مطبخها مع المطبخ العربي.
وبدوره قال طالب الطب “أنس العطار” الذي يدرس في إحدى جامعات إسطنبول لوكالة “قدس برس” أن الأشهر الأولى من تواجده في تركيا بعد رحلة سفر شاقة من قطاع غزة في أواخر العام 2014 لم تكن صعبة إلى أن وصل إلى مرحلة التعايش مع المجتمع التركي.
وبرر “العطار” ذلك على أنه وبالرغم من اختلاف تركيبة الثقافة التركية التي تمزج بين الشرق والغرب إلا أن الجانب الشرقي يجعل الأمر أكثر سهولة للمواطن العربي مما يدفعه للاندماج بشكلٍ أسرع في تركيا مقارنةً مع دول أخرى لاسيما الدول الأوروبية.
وتابع طالب الطب الفلسطيني الذي أتم عامه السادس في تركيا أن هناك أشياء كثيرة جذبته ويتمنى وجودها في المجتمع الفلسطيني وهي عملهم الفعلي بمقولة “دع الخلق للخالق”، معتقداً أن هذا يعود للحياة العملية في تركيا وانشغال الناس بما هو مفيد دون تتبع لخطوات الآخرين وهو عامل ناجح ومهم للذين يريدون التفوق في حياتهم (على حد وصفه).
وقد حاول “أنس العطار” ذلك الطالب الفلسطيني الذي أنهى دراسة الماجستير قبل ثلاثة أعوام ضمن منحة دراسية حصل عليها من الحكومة التركية التأقلم مع عادات العيش والثقافة التركية لاسيما الطعام التركي، قائلاً: “أعتقد أنه يجب الانتباه أن الأكل هنا مُعد بالطريقة التركية، فلا يجب أن نتوقع نفس الطعم بطريقتنا نحن، مثل الشاورما التركية (الدونير كما تسمى هنا)، إذ يمكن القول أن لديها مذاقاً يختلف عن طريقة صنعها عندنا في فلسطين”.
بشكلٍ عام يرى الفلسطينيون المقيمون في تركيا بهدف العمل أو الدراسة أنهم ليسوا بعيدين عن بلادهم لاسيما ان الشعب التركي يُحب الفلسطينيين ويؤمن بقضيتهم النبيلة وبحقهم بالعودة إلى أرضهم، مما يجعلهم مميزين لدى الأتراك ومتقبلين ولا ينظرون إليهم أنهم غرباء، إلى جانب الغالبية المسلمة من الجالية الفلسطينية المقيمة في تركيا والترابط الديني والعقائدي مع الأتراك يجعل اندماجهم ليس صعب المنال وسيتم هذا الأمر عاجلاً أم آجالاً.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام